الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ومنه أن يجتمع شيئان ولأحدهما فعل فيجعل الفعل لهما:كقوله سبحانه: {فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما} [الكهف: 61].روي في التفسير: أن النّاسي كان يوشع بن نون ويدلّك قوله لموسى، صلّى اللّه عليه وسلم: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} [الكهف: 63].وقوله: {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ}.[الأنعام: 130] والرسل من الإنس دون الجن.وقوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (19) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (20)} [الرحمن: 19، 20] ثم قال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (22)} [الرحمن: 22]. واللؤلؤ والمرجان إنما يخرجان من الماء الملح لا من العذب.وكذلك قوله: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها} [فاطر: 12].وقد غلط في هذا المعنى أبو ذؤيب الهذليّ ولا أدري أمن جهة هذه الآيات غلط أم من غيرها؟ قال يذكر الدّرّة:
والفرات لا يدوم فوقها وإنما يدوم الأجاج.ومنه أن يجتمع شيئان فيجعل الفعل لأحدهما، أو تنسبه إلى أحدهما وهو لهما:كقوله: {وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْها} [الجمعة: 11].وقوله: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62].وقوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (45)} [البقرة: 45].وقال: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ} [ق: 17] أراد: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد.وقال الشاعر: وقال آخر: ومنه أن تخاطب الشاهد بشيء ثم تجعل الخطاب له على لفظ الغائب:كقوله عز وجل: {حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها} [يونس: 22].وقوله: {وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)} [الروم: 39].وقوله: {وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7] ثم قال: {أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7].قال الشاعر: وكذلك أيضا تجعل خطاب الغائب للشاهد:كقول الهذليّ: ومنه أن يخاطب الرجل بشيء ثم يجعل الخطاب لغيره:كقوله: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} [هود: 14]، الخطاب للنبي، صلّى اللّه عليه وسلم، ثم قال للكفار:{فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ} [هود: 14] يدلك على ذلك قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 14].وقال: {فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى}؟ [طه: 49].وقال: {فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى} [طه: 117].وقال: {إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)} [الفتح: 8]، ثم قال: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9].وقال: {إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [النجم: 32]، يريد أباكم آدم، صلّى اللّه عليه وسلم.ومنه أن تأمر الواحد والاثنين والثلاثة فما فوق أمرك الاثنين: فتقول:افعلا.قال اللّه تعالى: {أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)} [ق: 24]، والخطاب لخزنة جهنم، أو زبانيتها.قال الفراء: والعرب تقول: ويلك ارحلاها وازجراها، وأنشد لبعضهم: قال الشاعر: قال الفراء: ونرى أصل ذلك أنّ الرّفقة أدنى ما تكون: ثلاثة نفر، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، ألا ترى أنّ الشعراء أكثر شيء قيلا: يا صاحبيّ، ويا خليليّ.وقال غير الفراء: قال النبي، صلّى اللّه عليه وسلم: «الواحد شيطان والاثنان شيطانان، والثلاثة ركب».وتوعّد معاوية روح بن زنباع فاعتذر روح فقال معاوية خلّيا عنه: وقوله: سنّى: أي فتح.قالوا: وأدنى ما يكون الآمر والنّاهي بين الأعوان اثنان، فجرى كلامهم على ذلك، ووكّل اللّه، عز وجل، بكل عبد ملكين، وأمر في الشهادة بشاهدين.ومنه أن يخاطب الواحد بلفظ الجميع:كقوله سبحانه: {قال رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99]، وأكثر من يخاطب بهذا الملوك، لأنّ من مذاهبهم أن يقولوا: نحن فعلنا. بقوله الواحد منهم يعني نفسه، فخوطبوا بمثل ألفاظهم. يقول اللّه عز وجل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3]، {وإِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (49)} [القمر: 49].ومن هذا قوله عز وجل: {عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} [يونس: 83]، وقوله: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} [هود: 14]، وقوله: {فَأْتُوا بِآبائِنا} [الدخان: 36].ومنه أن يتصل الكلام بما قبله حتى يكون كأنه قول واحد وهو قولان:نحو قوله: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً}، ثم قال: {وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل: 34]، وليس هذا من قولها، وانقطع الكلام عند قوله: {أَذِلَّةً}، ثم قال اللّه تعالى: {وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ}.وقوله: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 51]، هذا قول المرأة، ثم قال يوسف: {ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف: 52]، أي ليعلم الملك أني لم أخن العزيز بالغيب.وقوله: {يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا}، وانقطع الكلام، ثم قالت الملائكة: {هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52].قوله حكاية عن ملأ فرعون: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ}، هذا قول الملأ، ثم قال فرعون: {فَماذا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110].ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل:كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، أي أنتم خير أمّة.وقوله: {وَإِذْ قال اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: 116]، أي وإذ يقول اللّه يوم القيامة. يدلك على ذلك قوله سبحانه: {هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} [المائدة: 119].وقوله: {أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]، يريد يوم القيامة. أي سيأتي قريبا فلا تستعجلوه.وقوله: {قالوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم: 29]، أي من هو صبيّ في المهد.وكذلك قوله: {وَكانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134]، وكذلك قوله: {وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب: 27].إنما هو: اللّه سميع بصير، واللّه على كل شيء قدير.وقوله: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ} [فاطر: 9]، أي فنسوقه.في أشباه لهذا كثيرة في القرآن.ومنه أن يجيء المفعول به على لفظ الفاعل:كقوله سبحانه: {لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود: 43]، أي لا معصوم من أمره.وقوله: {خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (6)} [الطارق: 6]، أي مدفوق.وقوله: {فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ} [الحاقة: 21]، أي مرضيّ بها.وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت: 67]، أي مأمونا فيه.وقوله: {وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12]، أي مبصرا بها.والعرب تقول: ليل نائم، وسرّ كاتم، قال وعلة الجرميّ: أي يوم صعب مفجور فيه.وأن يأتي فعيل بمعنى مفعل:نحو قوله: {بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 117]، أي مبدعها.وكذلك: {عَذابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 10]، أي مؤلم.وقال عمرو بن معديكرب: يريد الداعي المسمع.وفعيل، يراد به فاعل:نحو: {حفيظ}، و{قدير}، و{سميع}، و{بصير}، و{عليم}، و{مجيد}، وبديء الخلق، أي بادئه، من قولك: بدأ اللّه الخلق.وبصير في هذا المعنى من بصر، وإن لم يستعمل منه فاعل إلا في موضع واحد، وهو قولهم: أريته لمحا باصرا. أي نظرا شديدا باستقصاء وتحديق.ومنه أن يأتي الفاعل على لفظ المفعول به، وهو قليل:كقوله: {إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم: 61]، أي آتيا. اهـ.
|